تاريخ التكنولوجيا في العالم


اسم الكتاب: تاريخ التكنولوجيا في العالم
المرلف: دانيال آر. هيدريك
ترجمة: د. أحمد حسن مغربي
الناشر: مشروع كلمة للترجمة
عدد الصفحات: ٢٠٨
سنة النشر: ٢٠٠٩


مصدر الصورة موقع جريدة الرياض


يعرض المؤلف تاريخ الإنسان بالتزامن مع التقنيات التي طورها في كل حقبة زمنية على هيئة سرد متواصل لأخبار الحضارات والأمم, ولا يكتفي فقط بأوروبا وأمريكا بل يغطي كل الحضارات على مدار التاريخ من الصين والهند والقارة الأمريكية مرورا بالشرق الأوسط وأوروبا إلى أستراليا.


في الفصل الأول يعود المؤلف إلى حقبة بعيدة جدا تصل لأربعة ملايين سنة, إلى سلالة الأسترالوبيثيساين Australopithecine والتي وجدت لها أثارا في تنزانيا الأفريقية. وكان لأفراد هذه السلالة أدمغة تصل إلى ثلث حجم أدمغة البشر المعاصرون. وتمكن أفرادها من الإمساك بالأشياء بقوة وبدقة عالية بسبب شكل يدها المميز, حيث حركة الإبهام المتحررة وقدرته على التحرك في مواجهة بقية أصابع الكف. وجيلا بعد جيل ازدادت قدرتهم على المشي بقامة منتصبة, وبالإمساك بالأشياء بمهارة أكثر وكذلك صنع أدوات تخدمهم.  ثم تطورت هذه السلالة إلى نوع مختلف يسميه علماء الأنثروبولوجيا هومو (لفظة لاتينية مشتقة من كلمة إنسان) بسبب مشابهتهم للبشر. وأشهر سلالة من هذا النوع هي الإنسان الماهر "هومو هابيليس" الذي عاش قبل مليوني سنة تقريبا في أفريقيا وامتلك دماغا بحجم نصف أدمغة البشر وتمكن من صناعة المطارق والأدوات الحادة القاطعة من الجهتين, ولعل أهم ما ميزه عن غيره من القردة الأخرى هو القدرة على التخطيط لأفعال مستقبلية. جاء بعده الإنسان المنتصب "هومو إيريكتس" وامتلك دماغا يعادل ثلثي حجم أدمغة البشر وتمكن من صنع الفأس اليدوية والساطور وترويض النار التي استخدمها للتدفئة من البرد وشواء اللحم وإبعاد الوحوش المفترسة عنه. وجاء بعده الإنسان العاقل "هومو سابينس" ووجد قبل ١٥٠ ألف سنة تقريبا وظهرت منه سلالتين الأولى حملت اسم ناندرثال وقد انقطعت هذه السلالة لأسباب مجهولة قبل ٤٠ ألف سنة, والثانية هي سلالة الإنسان العاقل القديم. والذي صنع من الأسنان الحجرية والعصي الخشبية رماحا وشحذ أطراف الحجارة ليصنع شفرات حادة, ونسج من جلود الحيوانات أثوابا. وبالمقارنة مع ما صنعه أسلافه الذين كان دافعهم الأول من تطوير الأدوات هو الحاجة لإستخدامها, أما هو فقد صار يهتم بجوانب أخرى, فأصبحت لديه دوافع جديدة لتطوير الأدوات مثل الفن والسحر والدين, فجوف العظام ليصنع مزمارا ونحت التماثيل من العاج وتزين بالأصداف والبحرية والخرز, وأبدى اهتماما في الحياة بعد الموت. قد يكون سبب هذا التحول الكبير في عقليته وبداية احساسه بالجمال وجوانب الحياة الأخرى أنه بدأ بتعلم الكلام.

وعاش حياة معتمدة على الصيد والتقاط الثمار, فتنقل باستمرار, ومن الأماكن الأولى القليلة التي استقر فيها جبل الكرمل في فلسطين, ومدينة أبوحورية في سوريا وجنوب اليابان الذي تميز بأجواء دافئة وممطرة. ثم بدأ بالاهتمام في الزراعة حيث أنها تعتبر مصدر للطعام يمكن التحكم فيه مقارنة مع الصيد, وبالتزامن مع الزراعة ابتدأ في تدجين بعض الحيوانات, وكانت هذه الحقبة تسمى بالعصر الحجري أو "العصر النيوليثي" بسبب اعتمادهم على الحجر في صناعة أدواتهم.


في الفصل الثاني يبدأ الحديث عن بداية الحضارات التي أنشأها الإنسان. وكان السومريون أول من شيد حضارة قبل ٦٠٠٠ سنة في بلاد الرافدين وكانت تضم عشرات الآلاف من السكان وظهرت أول مدينة فيها قبل أكثر من ٤٠٠٠ سنة وتعرف باسم مدينة عبيد Ubaid.
والمقصود بالحضارة تلك المجتمعات الكبيرة التي يرتبط بها أفرادها من خلال دفع الضرائب أو العمل أو إعلان الولاء لها, ويظهرون إحترامهم لقادتهم. وظهرت العديد من الحضارات في أماكن مختلفة مثل الصين والهند والشرق الأوسط. وكانت تطلق تسمية البرابرة على أي مجاميع بشرية تزاول الصيد وتعيش خارج تلك الحضارات.
في هذه الحقبة انتقل الإنسان من البستنة (نثر البذور وانتظارها لتنمو وتثمر بعد نزول المطر) إلى الزراعة الحقة بحرث الأرض من خلال الثيران ونثر الحبوب بآلة ترمي البذور إلى الشقوق على فترات منتظمة. ومن أهم الانجازات الأخرى للحضارات الأولى الكتابة واستخدام العملات المالية (كانت في البداية عملة طينية تعادل حيوانات أو ثمار).


في الفصل الثالث يستمر المؤلف في سرد مسار التطور التقني عند الحضارات المختلفة من الفترة ١٥٠٠ ق م إلى عام ٥٠٠ ميلادي. ونلاحظ في هذه الفترة الانتقال من استخدام الحجر لتصنيع الأدوات إلى الحديد الذي مكنهم من عمل أسلحة أقوى. وفي هذه الفترة كان الرومان متفوقون في الهندسة المدنية بشكل كبير, حتى أنهم اكتشفوا مادة البوزولانا الإسمنتية (تراب بركاني ممزوج بالكلس) والتي مكنتهم من بناء مباني ظلت مشيدة لألفي سنة. ولكن تكنولوجيا صناعة الإسمنت أهملت بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية ولم يلتفت إليها إلا في القرن التاسع عشر. ومن أهم إنجازات هذه الفترة هي استخدام المركبات ذات العجلات وتدجين الجياد.


في الفصل الرابع الذي يركز على القرن الخامس الميلادي إلى القرن الخامس عشر نلاحظ فيه ظهورا وتفوقا للحضارة الصينية, التي أعطت العالم الورق والبوصلة, وزرعت الرز بمهارة عالية وابتكروا اللجام للتحكم في الجياد من دون أن تتعرض للاختناق. وفي الشرق الأوسط نشط العرب في التجارة وكانت لهم مدن كبرى مزدهرة كبغداد والقاهرة وقرطبة, فبغداد وحدها كان يقطنها مليون نسمة بالمقارنة مع مدن أوروبا الغربية مثل لندن وباريس وروما حيث كان عدد سكانهم مجتمعين ٦٠ ألف نسمة.  وتفوق العرب  في الفلك والرياضيات والطب وباستيعاب معارف الحضارات السابقة.


الفصل الخامس يرصد الفترة بين القرن الرابع عشر حتى التاسع عشر والذي صنعت فيه الصين البارود الذي سماه العرب الثلج الصيني, وصنعت سفنا كبيرة تصل لأكثر من ١٢٠ مترا. ولأمر لازال مجهولا, تخلصت الصين من سفنها في القرن السادس عشر وانغلقت على نفسها. وخلال تلك الفترة طور الأتراك (الدولة العثمانية) أنواعا من المجانيق وكانت جيوشها هي الأفضل في أوروبا في القرنين السادس والسابع عشر. هذا النمو التقني حول العالم أخذ في التباطؤ والتقهقر, فالصين تأثرت بحروب المغول الذين كان لهم اهتمام شديد في التسلح وتبني أشد التكتيكات القتالية نجاعة ولعلهم أسرع أمبراطورية توسعت في التاريخ. وأما العرب فبدأو بالتصرف بشكل محافظ وحذر تجاه أي تقنية جديدة, فالطباعة بالأحرف المتحركة التي ابتكرها يوهانس غوتنبرغ في منتصف القرن الخامس عشر (والتي كان لها دور ملحوظ في عصر التنوير في أوروبا)  لم يسمح الأتراك بإستعمالها داخل أراضيهم حتى القرن الثامن عشر.


الفصل السادس يركز على الثورة الصناعية الأولى من ١٧٥٠ إلى ١٨٦٩ حيث ابتكرت محركات البخار وتم تسخير الفحم الحجري. وعبرت أول سفينة بخارية المحيط الأطلسي عام ١٨٣٨. وكانت ابتكارات أوروبا التقنية تنصب حول الميكنة والأتمتة لتسريع الإنتاج وتسهيله, في المقابل نجد أن الصين لم تكترث كثيرا للسير بهذا المسار بسبب التعداد السكاني الكبير وتوفر عدد كافي من الأيدي العاملة. وفي هذه الحقبة اخترعت البطارية من قبل فولتا وتم ربط المدن سلكيا لإرسال رسائل نصية من خلال نظام التلغراف الذي ابتكره صامويل مورس.

في الفصل السابع نلاحظ تسارعا أكبر في وتيرة التطور التقني, ففي الفترة ما بين العام ١٨٦٩ و ١٩٣٩ سهل استخدام الفولاذ من صناعة السفن وبناء شبكات السكك الحديدية, وتمكن العالم من التواصل هاتفيا وتحقق الحلم البشري في الطيران والذي تطور على نحو متسارع نتيجة للحرب العالمية الأولى.

الفترة ما بين الحرب العالمية الثانية حتى اليوم يغطيها الفصل الثامن, وفيها طورت قنابل نووية عدت أنها أضخم شيئ حدث في التاريخ, وبسسب ضغط الحرب لفك تشفير رسائل الألمان  في بريطانيا ولإجراء عمليات حسابية دقيقة متعلقة بالصواريخ الباليستية في الولايات المتحدة الأمريكية, تطور الحاسوب بشكل كبير. وشاع الاهتمام الكبير للربط بين البحوث العلمية والتطبيقات العملانية لها. يقول فانيفر بوش في تقرير إلى الرئيس روزفلت "لا تظهر المنتجات الجديدة ولا الطرق الجديدة جاهزة من تلقاء ذاتها. إذ تركز على مبادئ جديدة ومفاهيم جديدة, وهذان لا يظهران إلا بعملية مضنية من البحث في أكثر حقول العلم الخالص" ص١٧٦.